لماذا توقفت الدول العربية عن محاربة إسرائيل؟ نظرة على الحقائق

المؤلف: مي خالد09.05.2025
لماذا توقفت الدول العربية عن محاربة إسرائيل؟ نظرة على الحقائق

إن التراشق الصاروخي الدائر بين إيران وإسرائيل يثير مزاعم مفادها أن الدول العربية لم تبذل قط أي مسعى لمناهضة استعمار فلسطين، أو تلك الصورة النمطية التي يسعى الإعلام الغربي إلى ترسيخها، والتي يتبناها بعض الشباب العربي المتحمس. بيد أن هذا الادعاء محض افتراء، فبعض الدول العربية قد شاركت فعلياً في حرب واحدة على الأقل ضد إسرائيل. وعلاوة على ذلك، فقد أبدت جامعة الدول العربية معارضة شديدة لاستعمار فلسطين، واتخذت إجراءات متنوعة على مر السنين، ودعت بإلحاح إلى «انسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود عام 1967» (أي خط الهدنة لعام 1949).

ولكن، ما الذي صرف تلك الدول العربية عن مواصلة القتال وشن الحروب من أجل نصرة فلسطين؟

تجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الدول قد خاضت حروباً طاحنة في العقود الأولى من عمر إسرائيل، لكن إسرائيل تمكنت من تحقيق النصر في تلك المواجهات. ولا يمكن مقارنة هذه الحروب بالخطابات الرنانة التي أطلقها بعض القادة العرب، أو بالجعجعة الإعلامية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

وفضلاً عن ذلك، فقد دأبت الدول الغربية قاطبة على تقديم دعم راسخ وغير مشروط لإسرائيل طوال العقود القليلة الماضية. ونتيجة لذلك، فقد أدركت بعض الدول العربية على الأرجح أن المعركة محسومة سلفاً؛ لأن الدعم العالمي القوي لإسرائيل يحول دون إحداث أي تأثير ذي شأن.

لقد كانت الفرصة الأمثل أمام الدول العربية لهزيمة إسرائيل سانحة قبل انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1989. فإذا ما ألقينا نظرة فاحصة على حربي 1967 و1973، فسنجد أن الدول العربية كانت تتفوق نظرياً على الجيش الإسرائيلي من حيث العدد والعتاد، وكانت تحصل على كميات هائلة من المعدات السوفيتية. لكن الحقيقة المرة هي أن الحروب غالباً ما تحسم بفضل التدريب والتكاتف المعنوي والجودة العسكرية والدافعية القتالية، وبالنسبة لإسرائيل، كانت تلك الحروب بمثابة معارك حياة أو موت، فإما أن تكون أو لا تكون.

ومنذ ذلك الحين، تعززت الميزة النوعية لإسرائيل بشكل ملحوظ، وتبددت الشروط الميسرة للحصول على المعدات السوفيتية، وبات يتعين على هذه الدول الآن دفع أثمان باهظة للأسلحة الغربية، وربما أصبح وضعها الاقتصادي أكثر هشاشة مما كان عليه في السابق. وحتى قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، كشفت المعدات الروسية عن مكامن ضعف في العراق في عامي 1991 و2003.

وعلى الرغم من صغر حجم إسرائيل، التي يتجاوز تعداد جيشها 610 آلاف جندي عامل واحتياطي، فإن جيشها يفوق جيش كندا بعشرة أضعاف تقريباً، وفي نهاية المطاف، يرجح أن تكون إسرائيل دولة مسلحة نووياً، على الرغم من عدم إعلانها ذلك رسمياً.

أما الجانب الآخر من هذه المعضلة، فهو أن إسرائيل ربما أرادت التفاوض من موقع قوة بعد أن رسخت هيمنتها العسكرية الإقليمية. وقد تجسد ذلك في اتفاقات أوسلو، التي أودت بحياة رابين على يد متطرف يهودي في عام 1995.

ومما يدعو للأسف أن الوجود الإسرائيلي لن يزول بإطلاق آخر صاروخ من طهران، مع العلم أن ما يحدث بين تل أبيب وطهران اليوم لا يمت بصلة إلى القضية الفلسطينية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة